فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

وفي الطوفان ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الماء.
قال ابن عباس: أُرسل عليهم مطر دائم الليلَ والنهارَ ثمانية أيام، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير، وقتادة، والضحاك، وأبو مالك، ومقاتل، واختاره الفراء، وابن قتيبة.
والثاني: أنه الموت، روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مجاهد، وعطاء، ووهب بن منبه، وابن كثير.
والثالث: أنه الطاعون، نقل عن مجاهد، ووهب أيضًا.
وفي القمَّل سبعة أقوال:
أحدها: أنه السوس الذي يقع في الحنطة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال به.
والثاني: أنه الدَّبى، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعطاء.
وقال قتادة: القمَّل: أولاد الجراد.
وقال ابن فارس: الدَّبى: الجراد إذا تحرك قبل أن تنبت أجنحته.
والثالث: أنه دواب سود صغار، قاله الحسن، وسعيد بن جبير.
وقيل: هذه الدواب: هي السوس.
والرابع: أنه الجعلان، قاله حبيب بن أبي ثابت.
والخامس: أنه القمل، ذكره عطاء الخراساني، وزيد بن أسلم.
والسادس: أنه البراغيث، حكاه ابن زيد.
والسابع: أنه الحَمنان، واحدتها: حَمنانة، وهي ضرب من القِردان، قاله أبو عبيدة.
وقرأ الحسن، وعكرمة، وابن يعمر: {القُمْل} برفع القاف وسكون الميم.
وفي الدم قولان:
أحدهما: أن ماءهم صار دمًا، قاله الجمهور.
والثاني: أنه رعاف أصابهم، قاله زيد بن اسلم.
الإِشارة إلى شرح القصة:
قال ابن عباس: جاءهم الطوفان، فكان الرجل لا يقدر ان يخرج إلى ضيعته، حتى خافوا الغرق، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشفه عنا، ونؤمن بك، ونرسل معك بني إسرائيل؛ فدعا لهم، فكشفه الله عنهم، وأنبت لهم شيئًا لم ينبته قبل ذلك، فقالوا: هذا ما كنا نتمنى، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل ما أنبتت الأرض، فقالوا: ادع لنا ربك، فدعا، فكشف الله عنهم، فأحرزوا زروعهم في البيوت، فأرسل الله عليهم القُمَّل، فكان الرجل يخرج بطحين عشرة أجربة إلى الرحى، فلا يرى منها ثلاثة أقفزة، فسألوه، فدعا لهم، فكُشف عنهم، فلم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الضفادع، ولم يكن شيء أشد منها، كانت تجيء إلى القدور وهي تغلي وتفور، فتلقي أنفسها فيها، فتفسد طعامهم وتطفىء نيرانهم، وكانت الضفادع برِّية، فأورثها الله تعالى برد الماء والثرى إلى يوم القيامة، فسألوه، فدعا لهم، فلم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الدم، فجرت أنهارهم وقُلُبهم دمًا، فلم يقدروا على الماء العذب، وبنو إسرائيل في الماء العذب، فإذا دخل الرجل منهم يستقي من أنهار بني اسرائيل صار ما دخل فيه دمًا، والماء من بين يديه ومن خلفه صافٍ عذبٌ لا يقدر عليه، فقال فرعون: أقسم بالهي يا موسى لئن كشفتَ عنا الرجز لنؤمننَّ لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل، فدعا موسى، فذهب الدم، وَعَذُبَ ماؤهم، فقالوا: والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل.
قوله تعالى: {آيات مفصَّلات} قال ابن قتيبة: بين الآية والآية فصل.
قال المفسرون: كانت الآية تمكث من السبت إلى السبت، ثم يبقون عقيب رفعها شهرًا في عافية، ثم تأتي الآية الأخرى.
قال وهب بن منبه: بين كل آيتين أربعون يومًا.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: مكث موسى في آل فرعون بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات، الجراد والقمّل والضفادع والدم.
وفي قوله: {فاستكبروا} قولان:
أحدهما: عن الإيمان.
والثاني: عن الانزجار. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}.
فيه خمس مسائل:
الأُولى روى إسرائيل عن سِمَاك عن نَوْف الشاميّ قال: مكث موسى صلى الله عليه وسلم في آل فرعون بعد ما غلب السحرةَ أربعين عامًا.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن مِنجاب: عشرين سنة، يريهم الآيات: الجراد والقُمَّل والضفادع والدّم.
الثانية قوله تعالى: {الطوفان} أي المطر الشديد حتى عامُوا فيه.
وقال مجاهد وعطاء: الطوفان الموت قال الأخفش: واحدته طوفانة.
وقيل: هو مصدر كالرُّجْحَان والنُّقْصان؛ فلا يطلب له واحد.
قال النحاس: الطوفان في اللغة ما كان مُهْلِكًا من موت أو سَيْل؛ أي ما يطيف بهم فيهلكهم.
وقال السُّدِّي: ولم يُصِب بني إسرائيل قطرةٌ من ماء، بل دخل بيوتَ القبط حتى قاموا في الماء إلى تَراقِيهم، ودام عليهم سبعةَ أيام.
وقيل: أربعين يومًا.
فقالوا: ادع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن بك؛ فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا.
فأنبت الله لهم في تلك السنة ما لم يُنبته قبل ذلك من الكلأ والزرع.
فقالوا: كان ذلك الماء نعمة؛ فبعث الله عليهم الجراد وهو الحيوان المعروف، جمع جرادة في المذكر والمؤنث.
فإن أردت الفصل نعتَّ فقلت رأيت جرادة ذكرًا فأكل زروعهم وثمارهم حتى أنها كانت تأكل السقوف والأبواب حتى تنهدِم ديارهم.
ولم يدخل دُور بني إسرائيل منها شيء.
الثالثة واختلف العلماء في قتل الجراد إذا حَلّ بأرض فأفسد؛ فقيل: لا يقتل.
وقال أهل الفقه كلهم: يُقتل.
احتج الأوّلون بأنه خَلْق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يَجْرِي عليه القلم.
وبما روي: «لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظمُ» واحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال، وقد رخص النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتال المسلم إذا أراد أخذ ماله؛ فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها.
ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب؟ لأنهما يؤذيان الناس فكذلك الجراد.
روى ابن ماجه عن جابر وأنس بن مالك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال: «اللَّهُمّ أهلك كباره واقتل صغاره وأفسده بيضه واقطع دابره وخُذْ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء».
قال رجل: يا رسول الله، كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ قال: «إن الجراد نَثَرة الحوت في البحر».
الرابعة ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن أبي أَوْفَى قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل الجراد معه» ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة، وأنه إذا أخذ حيًّا وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق.
وأنّ ذلك يتنزل منه منزلة الذكاة فيه.
وإنما اختلفوا هل يحتاج إلى سبب يموت به إذا صِيد أم لا؛ فعامّتهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك، ويؤكل كيفما مات.
وحكمه عندهم حكم الحِيتان، وإليه ذهب ابن نافع ومُطَرِّف وذهب مالك إلى أنه لابد له من سبب يموت به؛ كقطع رؤوسه أو أرجله أو أجنحته إذا مات من ذلك، أو يُسْلق أو يطرح في النار؛ لأنه عنده من حيوان البر فَمَيْتَتُه محرّمة.
وكان اللّيث يكره أكل ميت الجراد، إلا ما أخذ حيًّا ثم مات فإن أخذه ذكاة.
وإليه ذهب سعيد بن المُسَيِّب.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحِلّ لنا ميتتان الحُوت والجراد ودمان الكَبِد والطِّحال» وقال ابن ماجه: حدّثنا أحمد بن مَنيع حدّثنا سفيان بن عُيينة عن أبي سعيد سمع أنس بن مالك يقول: كُنّ أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم يتهادَيْن الجراد على الأطباق.
ذكره ابن المنذر أيضًا.
الخامسة روى محمد بن المنْكَدِر عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى خلق ألف أُمّة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر وإن أوّل هلاك هذه الأُمم الجراد فإذا هلكت الجراد تتابعت الأُمم مثل نظام السِّلك إذا انقطع» ذكره الترمذيّ الحكيم في نوادر الأُصول وقال: وإنما صار الجراد أوّل هذه الأُمم هلاكًا لأنه خُلق من الطينة التي فَضَلت من طينة آدم.
وإنما تهلك الأُمم لهلاك الآدميّين لأنها مسخّرة لهم.
رجعنا إلى قصة القبط فعاهدوا موسى أن يؤمنوا لو كُشف عنهم الجراد، فدعا فكشف وكان قد بَقِيَ من زروعهم شيء فقالوا: يكفينا ما بَقِيَ؛ ولم يؤمنوا فبعث الله عليهم القُمّل، وهو صغار الدَّبَى؛ قاله قَتادة.
والدَّبَى: الجراد قبل أن يطير، الواحد دَباة.
وأرض مَدْبِيّة إذا أكل الدَّبَى نباتها.
وقال ابن عباس: القُمّل السُّوس الذي في الحِنطة.
وقال ابن زيد: البراغيث.
وقال الحسن: دوابّ سود صغار.
وقال أبو عبيدة: الحَمْنَان، وهو ضرب من القُرَاد، واحدها حَمْنانة.
فأكلت دوابَّهم وزروعهم، ولزمت جلودهم كأنها الجُدَريّ عليهم، ومنعهم النومَ والقرار.
وقال حبيب بن أبي ثابت: القُمّل الجِعلان.
والقُمّل عند أهل اللغة ضرب من القِردان.
قال أبو الحسن الأعرابِيّ العدويّ: القُمّل دواب صغار من جنس القردان؛ إلا أنها أصغر منها، واحدتها قُمّلة.
قال النحاس: وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير؛ لأنه يجوز أن تكون هذه الأشياء كلّها أرسلت عليهم، وهي أنها كلها تجتمع في أنها تؤذيهم.